حمـص في التاريــخ .. وأحلى القصـص
تاريخ أي بلد هو من التراث ويحمل معه قصص الأسلاف والمعارك والأخلاق والعادات . ودراسة هذا التاريخ ليس بدون فائدة للأجيال اللاحقة التي من حقها أن تعرف كيف تطورت الأمور إليهم وكيف تصرف أسلافهم بمواجهة الغزوات وكيف عاشوا وفكروا وما هي مبادئهم الأخلاقية وصفات قادتهم ورجالهم وآثارهم الحضارية ..
التراث في كل الشعوب يصقل الشخصية ويميزها والأمم العظيمة لا تهمل تراثها ولا ترفض تعليمه بل تأخذ منه ما يفيد حياتها الحاضرة وتهمل ما أثبت الزمن بطلانه ..
فالتراث هو التاريخ ولا قداسة تؤهله للاستمرار إلا إذا كان في ذلك مصلحة للتطور .
من هذه القاعدة تنطلق في هذه الدراسة عن حمص لكي تعرف الأجيال أن حمص الحالية هي وريثة تاريخ عريق امتد آلاف السنوات ولم تكن طارئة ولا حديثة العهد وشارك رجالها وعلماؤها في صنع الحضارة كمبدعين لا متلقين.
نبدأ بالجغرافية : فحمص مدينة في وسط سورية تحدها الصحراء في الشرق وهي في وسط سهل خصيب يمتد من حلب إلى دمشق وتجاور جبال لبنان ويخترق أرضها نهر العاصي القادم إليها من نبعين في منطقة بعلبك ومكانها الوسطي هذا جعلها هدفاً قديماً ومركزاً تجارياً وعسكرياً ولأنها من أجمل بلاد الشام فإن السكن فيها كان هدفاً محبباً .
وعلى طريق الأقدمين بالتعريف بالمدن نبدأ بالاسم حمص ، كيف ولماذا أخذت هذا الاسم في التاريخ .
في هذه الدراسة لا بد أن نعود إلى المصادر التاريخية المختلفة والتي أدرجناها في نهاية البحث ودائماً توجد احتمالات مختلفة وما لم يوجد دليل حاسم فإن الخلافات حول الاسم ستبقى قائمة فلا مطلق في هذا الشأن وكل الأمور نسبية إلى أن يعطينا التاريخ أدلة ثابتة خاصة وأن بعض التسميات قد تندرج في باب الأساطير .
• في كتاب تاريخ حمص للخوري عيسى أسعد: أن حمص ورد ذكرها في التوراة باسم حماه صوبة ثم حرفت إلى حمصوية ثم صارت حمص.
وكلمة حمص هي جذر كنعاني يعني الخجل وربما من اللون الأحمر حين يتحمص وفي جبل لبنان قرب عاليه كانت توجد قرية اسمها حمص.
• وفي كتاب الروض المعطار في خبر الأقطار لمحمد بن عبد المنعم الحميري 900 م وهو من الأندلس ورد أن حمص مدينة بالشام من أوسع مدنها ولا يجوز فيها الصرف كما يجوز في هند لأن اسمها أعجمي وسميت باسم رجل من العماليق يدعى حمص ...
• ويقول ياقوت الحموي : حمص بلد مشهور في طرفه القبلي قلعة حصينة بناها حمص بن مكتف العمليقي .. وهي في منتصف الطريق بين دمشق وحلب . ونجمها بدأ يسطع منذ القرن الثالث الميلادي.
• وفي كتاب عروس الوعر لحسيب سلامة : المغترب في سان باولو إن اسم حمص مشتق من اسم أميسا المعروف من العهد الروماني من هذا العرض يمكن استخلاص حقيقة مطلقة هي أن حمص مدينة قديمة ممتدة في تاريخ العالم القديم أما كيف سميت ومن بناها فهي من التفاصيل . وسواء أكانت هذه التسميات صحيحة أو من الأساطير فإن حمص الباقية هي وريثة كل ما هو قبلها ...
• وآخرون قالوا أن الاسم آرامي يعني الأرض اللينة وآخرون قالوا أن حمص من الحماسة لأنها مدينة الأقوياء وهذا منسوب لياقوت الرومي .
• أول من سكن حمص كان في التل الذي هو القلعة حالياً ثم امتد السكن إلى جوارها فسميت هذه المساكن صوبا أي محلة وصار اسم حمص حامات صوبه .
• وهناك مصادر تقول أن اسمها الأول حث ثم تطور إلى حمص وكانت حث إحدى القبائل النازلة بحمص .
• ومن ثم نبدأ باللغة التي هي أداة التواصل بين السكان .
• أبو الفداء قال أن السامين سكنوا حمص والعماليق سكنوها كما سكنوا صنعاء في اليمن وهم من العرب البائدة من ذرية عماليق بن لود بن سام .
• وقد سكن حمص الكنعانيون وتكلموا اللغة السامية وورد في التوراة أن الكنعانيين تكلموا السامية .
• واللغة السامية تنقسم إلى قسمين الجنوبية وهي التي سادت في العربية والحبشة والشمالية هي الأمورية والآشورية والكنعانية والعربية والكلدانية وكانت العربية في فلسطين والكنعانية لغة السواحل وتسمى الفينيقية والآرامية كانت في الداخل ..
وعلى هذا الأساس فإن الآرامية السامية الأصل هي التي سادت في حمص ..
في هذا المجال نذكر للتوضيح أن الآراميين الذين تنصروا أخذوا اسم السريان لكن لغتهم هي الآرامية والسريان هم النصارى من الآراميين .
فحمص إذا سامية المنشأ كما هو معروف حتى الآن وآرامية اللغة وبسبب أن العالم القديم كان هدفاً للغزوات المختلفة فإن تداخل هذا النسيج الآرامي والكنعاني مع الشعوب الوافدة من عربية وفارسية ويونانية ورومانية ويونانية أمر يجب عدم إهماله بحيث يصعب إعطاء النسب الحالي وصفاً لا يأخذ بعين الاعتبار هذا التداخل البشري والحضاري .
وإذا استعرضنا هذا التداخل البشري عبر التاريخ ندهش كيف أن اللغة العربية وهي من اللغات السامية استطاعت في زمن قياسي أن تستولي على اللغات السامية الأخرى لأن الجذر السامي لجميع هذه اللغات واحد.
في حين أن اليونانية التي سيطرت على المنطقة سنوات بقيت لغة الحكام في حين أن الآرامية بقيت لغة الشعب .
وكذلك الحال مع الرومان والفرس الذين حين رحلوا رحلت معهم لغاتهم وكان تأثيرهم محدوداً ببعض الكلمات .
تداخلت العربية الموجودة أصلاً بجوار الآرامية بعد الحضور العربي العباسي فتحول الآراميين إلى العربية بسهولة إلى درجة أننا ما نزال حتى الآن نستعمل الكلمات الآرامية في بلاد الشام حين نتحدث بالعامية .
وهناك مئات من الكلمات الآرامية دخلت العربية وصارت جزءاً منها والأمثلة كثيرة أوردت بالتفصيل في كتاب محاضرات .
ـ السكان :
وبنظرة سريعة تاريخية فإن إمارة عربية قامت في حمص عام 81 ق.م ـ 96 م وكان أميرها شميسغرام وأسرته وهو الذي بنى هيكل الشمس المشهور ووضع فيه الحجر الأسود ومن ملوك الأسرة دابل وجميليك وعزيز ومزيز وسهيم ويقال أن هذا الحجر كان في معبد الشمس مكان الجامع النوري حالياً ويقال أنهم ملكوا ارثوسيا الرستن .
وفي حمص وجدت كتابة يونانية اللغة ترسل أشعة على معبودات حمص القديمة وهي محفورة تحت أربعة تماثيل تمثل الآلهة الحمصية القديمة عجلبول وبيبلوس وبينهما تمثال إمرأة اسمها أثينا وهي آلهة قديمة صاحبة الصاعقة .
وعبادة الحجر الأسود هي عبادة يونانية .
وفي التوراة أن حمص سكنها الآراميون والعموريون والعمالقة والحثيون ويقول المسعودي أن أول من نزل من العرب الشام كان قضاعة بن مالك بن حمير ثم أول ملوك تنوخ نعمان بن عمرو بن مالك .
أما الهمزاني فيقول أن دمشق وحمص هي من ديار غسان من آل جفنه .
أما اليعقوبي فيقول بأن أهل حمص أغلبهم من طي وكنده وحمير وكلب وهمذان وغيرهم من البطون .
ومن الأدلة على وجود اليمنيين في حمص قولهم (أذل من قيسي في حمص ) .
والقصة أن رجلاً من قيس من بني عدنان تخاصم قومه مع أهل اليمن فهجروها إلى حماة وغلبت اليمنية وبقي رجل واحد كان ذليلاً حتى ضرب به المثل أذل من قيسي في حمص ..
منقوووووووووووووول